فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتعقب بأنه يلزمه تغليب غير العقلاء عليهم وقد صرحوا بمنعه.
نعم قرأ عبد الله وأصحابه والضحاك وابن أبي عبلة: {يَأْتُونَ} واعتبار التغليب فيه على بابه، والمشهور جعل الضمير لرجالا وركبانًا فلا تغليب، وجوز جعل الضمير للناس والجملة استئنافية {مِن كُلّ فَجّ} أي طريق كما روي عن ابن عباس ومجاهد.وقتادة.والضحاك: وأبي العالية، وهو في الأصل شقة يكتنفها جبلان ويستعمل في الطريق الواسع وكأنهم جردوه عن معنى السعة لأنه لا يناسب هنا بل لا يخلو من خلل {عَميِقٍ} أي بعيد وبه فسره الجماعة أيضًا، وأصله البعيد سفلا وهو غير مناسب هنا.
وقرأ ابن مسعود {معيق} قال الليث: يقال عميق ومعيق لتميم وأعمقت البئر وأمعقتها وقد عمقت ومعقت عماقة ومعاقة وهي بعيدة العمق والمعق.
{لّيَشْهَدُواْ} متعلق بـ {يأتوك} [الحج: 27]، وجوز أبو البقاء تعلقه بـ: {أذن} [الحج: 27] أي ليحضروا {منافع} عظيمة الخطر كثيرة العدد فتنكيرها وإن لم يكن فيها تنوين للتعظيم والتكثير.
ويجوز أن يكون للتنويع أي نوعًا من المنافع الدينية والدنيوية، وتعميم المنافع بحيث تشمل النوعين مما ذهب إليه جمع وروى ذلك عن ابن عباس، فقد أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية: منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة فأما منافع الآخرة فرضوان الله تعالى وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم والذبائح والتجارات، وخص مجاهد منافع الدنيا بالتجارة فهي جائزة للحاج من غير كراهة إذا لم تكن هي المقصودة من السفر.
واعترض بأن نداءهم ودعوتهم لذلك مستبعد، وفيه نظر، على أنه إنما يتأتى على ما جوزه أبو البقاء، وعن الباقر رضي الله تعالى عنه تخصيص المنافع بالآخروية، وفي رواية عن ابن عباس تخصيصها بالدنيوية والتعميم أولى.
{لَهُمْ} في موضع الصفة لمنافع أي منافع كائنة لهم {وَيَذْكُرُواْ اسم الله} عند النحر {في أَيَّامٍ معلومات} أي مخصوصات وهي أيام النحر كما ذهب إليه جماعة منهم أبو يوسف. ومحمد عليهما الرحمة.وعدتها ثلاثة أيام يوم العيد ويومان بعده عندنا، وعند الثوري.وسعيد بن جبير.وسعيد بن المسيب لما روى عن عمر.وعلي.وابن عمر وابن عباس.وأنس.وأبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنهم قالوا: أيام النحر ثلاثة أفضلها أولها، وقد قالوه سماعًا لأن الرأي لا يهتدي إلى المقادير، وفي الأخبار التي يعول عليها تعارض فأخذنا بالمتيقن وهو الأقل.
وقال الشافعي والحسن وعطاء: أربعة أيام يوم العيد وثلاثة بعده لقوله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق كلها أيام ذبح» وعند النخعي وقت النحر يومان، وعند ابن سيرين يوم واحد، وعند أبي سلمة.وسليمان بن يسار الأضحى إلى هلال المحرم ولم نجد في ذلك مستندًا يعول عليه.
واستدل بذكر الأيام على أن الذبح لا يجوز ليلًا، قال أبو حيان: وهو مذهب مالك وأصحاب الرأي انتهى.
والمذكور في كتب الأصحاب أنه يجوز الذبح ليلًا إلا أنه يكره لاحتمال الغلط في ظلمة الليل.
وأما الاستدلال على عدم الجواز بذكر الأيام فكما ترى، وقيل الأيام المعلومات عشر ذي الحجة وإليه ذهب أبو حنيفة عليه الرحمة وروى عن ابن عباس. والحسن.وإبراهيم.وقتادة؛ ولعل المراد بذكر اسمه تعالى على هذا ما قيل حمده وشكره عز وجل؛ وعلى الأول قول الذابح: بسم الله والله أكبر على ما روى عن قتادة، وذكر أنه يقال مع ذلك: اللهم منك ولك عن فلان، وسيأتي إن شاء الله تعالى قول آخر.
ورجح كونه بمعنى الشكر بأنه أوفق بقوله تعالى: {على مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنعام}.
واختار الزمخشري أن الذكر على بهيمة الأنعام أو مطلقًا على ما يقتضيه ظاهر كلام بعضهم كناية عن النحر، وذكر أنه دل بذلك على المقصود الأصلي من النحر وما يميزه عن العادات. وأوما فيه إلى أن الأعمال الحجية كلها شرعت للذكر.
وأنه قيل: {على مَا رَزَقَهُمْ} إلى آخره تشويقًا في التقرب ببهيمة الأنعام المراد بها الإبل والبقر والضأن والمعز إلى الرازق وتهوينًا عليهم في الانفاق مع ما في ذلك من الإجمال والتفسير، وظرفية الأيام المعلومات على القول بأنها عشر ذي الحجة للنحر باعتبار أن يوم النحر منها، وقد يقال مثل ذلك على تقدير إبقاء الذكر على ما يتبادر منه {فَكُلُواْ مِنْهَا} التفات إلى الخطاب والفاء فصيحة أي فاذكروا اسم الله تعالى على ضحاياكم فكلوا من لحومها، والأمر للإباحة بناء على أن الأكل كان منهيًّا عنه شرعًا.
وقد قالوا: إن الأمر بعد المنع يقتضي الإباحة، ويدل على سبق النهي قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي فكلوا منها وادخروا» وقيل لأن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون فيه أو للندب على مواساة الفقراء ومساواتهم في الأكل منها، وهذا على ما قال الخفاجي مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه.
{وَأَطْعِمُواْ البائس} أي الذي أصابه بؤس أي شدة، وعن مجاهد وعكرمة تفسيره بالذي يمد كفيه إلى النار يسأل {الفقير} أي المحتاج، والأمر للندب عند الإمام على ما ذكره الخفاجي أيضًا، ويستحب كما في الهداية أن لا ينقص ما يطعم عن الثلث لأن الجهات الأكل والإطعام الثابتان بالآية والادخار الثابت بالحديث فتقسم الأضحية عليها أثلاثًا؛ وقال بعضهم: لا تحديد فيما يؤكل أو يطعم لإطلاق الآية، وأوجب الشافعية الإطعام وذهب قوم إلى أن الأكل من الأضحية واجب أيضًا.
وتخصيص البائس الفقير بالإطعام لا ينفي جواز إطعام الغني، وقد يستدل على الجواز بالأمر الأول لإفادته جواز أكل الذابح ومتى جاز أكله وهو غني جاز أن يؤكله غنيًّا.
{ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ} هو في الأصل الوسخ والقذر، وعن قطرب تفث الرجل كثر وسخه في سفره، وقال أبو محمد البصري: التفث من التفت وهو وسخ الأظفار وقلبت الفاء ثاء كما في مغثور، وفسره جمع هنا بالسعور والاظفار الزائدة ونحو ذلك، والقضاء في الأصل القطع والفصل وأريد به الإزالة مجازًا أي ليزيلوا ذلك بتقليم الاظفار والأخذ من الشوارب والعارضين كما في رواية عن ابن عباس ونتف الإبط وحلق الرأس والعانة، وقيل: القضاء مقابل الأداء والكلام على حذف مضاف أي ليقضوا إزالة تفثهم، والتعبير بذلك لأنه لمضي زمان إزالته عد الفعل قضاء لما فات.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنه قال: التفث النسك كله من الوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار، والقضاء على هذا بمعنى الاداء كأنه قيل: ثم ليؤدوا نسكهم.
وكان التعبير عن النسك بالتفث لما أنه يستدعي حصوله فإن الحجاج ما لم يحلوا شعث غبر وهو كما ترى، وقد يقال: إن المراد من إزالة التفث بالمعنى السابق قضاء المناسك كلها لأنها لا تكون إلا بعده فكأنه أراد أن قضاء التفث هو قضاء النسك كله بضرب من التجوز ويؤَده ما أخرجه جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قضاء التفث قضاء النسك كله.
{وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ} ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم، وعن ابن عباس تخصيص ذلك بما ينذرونه من نحر البدن.
وعن عكرمة هي مواجب الحج.
وعن مجاهد ما وجب من الحج والهدى وما نذره الإنسان من شيء يكون في الحج فالنذر بمعنى الواجب مطلقًا مجازًا.
وقرأ شعبة عن عاصم {وَلْيُوفُواْ} مشددًا {وَلْيَطَّوَّفُواْ} طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج وبه تمام التحلل فإنه قرينة قضاء التفث بالمعنى السابق، وروى ذلك عن ابن عباس ومجاهد، والضحاك، وجماعة بل قال الطبري وإن لم يسلم له: لا خلاف بين المتأولين في أنه طواف الإفاضة ويكون ذلك يوم النحر، وقيل: طواف الصدر وهو طواف الوداع وفي عدة من المناسك خلاف {بالبيت العتيق} أخرج البخاري في تاريخه، والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وابن جرير، والطبراني، وغيرهم عن ابن الزبير قال: قال «رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سمي الله البيت العتيق لأنه أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط» وإلى هذا ذهب ابن أبي نجيح وقتادة، وقد قصده تبع ليهدمه فأصابه الفالج فأشير عليه أن يكف عنه، وقيل: له رب يمنعه فتركه وكساه وهو أول من كساه، وقصده أبرهة فأصابه ما أصابه، وأما الحجاج فلم يقصد التسلط على البيت لَكِن تحصن به ابن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه، ولعل ما وقع من القرأمطة وإن أخذوا الحجر الأسود وبقي عندهم سنين من هذا القبيل، ويقال فيما يكون آخر الزمان من هدم الحبشة إياه وإلقاء أحجاره في البحر إن صح: إن ذلك من أشراط الساعة التي لا ترد نقضًا على الأمور التي قيل باطرادها، وقيل: في الجواب غير ذلك.
وعن مجاهد أنه إنما سمي بذلك لأنه لم يملك موضعه قط، وفي رواية أخرى عنه أن ذلك لأنه أعتق من الغرق زمان الطوفان، وعن ابن جبير أن العتيق بمعنى الجيد من قولهم: عتاق الخيل وعتاق الطير، وقيل: فعيل بمعنى مفعل أي معتق رقاب المذنبين ونسبة الاعتاق إليه مجاز لأنه تعالى يعتق رقابهم بسبب الطواف به، وقال الحسن وابن زيد: العتيق القديم فإنه أول بيت وضع للناس وهذا هو المتبادر إلا إنك تعلم أنه إذا صح الحديث لا يعدل عنه، ثم إن حفظه من الجبابرة وبقاءه الدهر الطويل معظمًا يؤتي من كل فج عميق بمحض أرادة الله تعالى المبنية على الحكم الباهرة.
وبعض الملحدين زعموا أنه بنى في شرف زحل والطالع الدلو أحد بيتيه وله مناظرات سعيدة فاقتضى ذلك حفظه من الجبابرة وبقاءه معظمًا الدهر الطويل ويسمونه لذلك بيت زحل، وقد ضلوا بذلك ضلالًا بعيدًا، وسنبين إن شاء الله تعالى خطأ من يقول بتأثير الطالع أتم بيان والله تعالى المستعان. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ} أي: واذكر إذ عيّناه وجعلناه له مباءة، أي: منزلًا ومرجعًا لعبادته تعالى وحده فأنْ في قوله تعالى: {أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا} مفسرة لـ: {بَوَّأْنَا} من حيث إنه متضمن لمعنى تعبدنا لأن التبوئة للعبادة. أي: فعلنا ذلك لئلا تشرك بي شيئًا: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} أي: من الأصنام والأوثان والأقذار: {للطائفين والقائمين وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} أي: لمن يطوف به ويقيم ويصلّي. أو المراد بالقائمين وما بعده: المصلين، ويكون عبّر عن الصلاة بأركانها، للدلالة على أن كل واحد منها مستقل باقتضاء ذلك، فكيف وقد اجتمعت؟.
{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} أي: نَادِ فيهم به، قال الزمخشريّ: والنداء بالحج أن يقول: حجّوا، أو عليكم بالحج: {يَأْتُوكَ رِجَالًا} أي: مشاة، جمع راجل: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} أي: ركبانًا على كل بعير مهزول، أتعبه بُعد الشقة فهزله. والعدول عن ركبانًا الأخصر، للدلالة على كثرة الآتين من الأماكن البعيدة، وقوله تعالى: {يَأْتِينَ} صفة لكل ضامر، لأنه في معنى الجمع. وقرئ يأتون صفة للرجال والركبان. أو استئناف، فيكون الضمير للناس: {مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} أي: طريق واسع بعيد: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} أي: ليحصروا منافع لهم دينية ودنيوية: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} أي: على ما ملكهم منها، وذلّلها لهم، ليجعلوها هديا وضحايا. قال الزمخشريّ: كنى عن النحر [في المطبوع: البحر] والذبح، بذكر اسم الله. لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا. وفيه تنبيه على أن الغرض الأصليّ فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه- زاد الرازيّ- وأن يخالَف المشركون في ذلك. فإنهم كانوا يذبحونها للنصُب والأوثان، قال القفال: وكأن المتقرب بها وبإراقة دمائها متصوّر بصورة من يفدي نفسه بما يعادلها. فكأنه يبذل تلك الشاة بدل مهجته، طلبًا لمرضاة الله تعالى، واعترافًا بأن تقصيره كاد يستحق مهجته. والأيام المعلومات أيام العشر. أو يوم النحر وثلاثة أيام أو يومان بعده. أو يوم عرفة والنحر ويوم بعده. أقوال للأئمة.
قال ابن كثير: ويعضد الثاني والثالث قوله تعالى: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} يعني به ذكر الله عند ذبحها. انتهى.
أقول: لا يبعد أن تكون على تعليلية، والمعنى: ليذكروا اسم الله وحده في تلك الأيام بحمده وشكره وتسبيحه، لأجل ما رزقهم من تلك البهم. فإنه هو الرزاق لها وحده والمتفضل عليهم بها: ولو شاء لحظرها عليهم ولجعلها أوابد متوحشة. وقد امتن عليهم بها في غير موضع من تنزيله الكريم. كقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يّس: 71- 72].
والسر في إفراده هذه النعمة، والتذكير بها دون غيرها من نعمه وأياديه، أن بها حياة العرب وقوام معاشهم. إذ منها طعامهم وشرابهم ولباسهم وأثاثهم وخباؤهم وركوبهم وجَمالهم. فلولا تفضله تعالى عليهم بتذليلها لهم، لما قامت لهم قائمة. لأن أرضهم ليست بذات زرع وما هم بأهل صناعة مشهورة، ولا جزيرتهم متحضرة متمدنة. ومن كانوا كذلك، فيجدر بهم أن يذكروا المتفضل عليهم بما يبقيهم، ويشكروه ويعرفوا له حقه. من عبادته وحده وتعظيم حرماته وشعائره. فالاعتبار بها من ذلك، موجب للاستكانة لرازقها، والخضوع له والخشية منه. نظير الآية- على ما ظهر لنا- قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3- 4]، هذا أولًا. وثانيًّا: قد يقال: إنما أفردت لتتبع بما هو البر الأعظم والخير الأجزل. وهو مواساة البؤساء منها. فإن ذلك من أجلّ ما يرضيه تعالى، ويثيب عليه. والله أعلم.
{فَكُلُوا مِنْهَا} أي: من لحومها. والأمر للندب. وإزاحة ما كان عليه أهل الجاهلية من التحرج فيه. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نحر هديه، أمر من كل بدنة ببضعة فتطبخ، فأكل من لحمها، وحسا من مرقها.
وعن إبراهيم قال: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم. فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل.
قال في الإكليل: والأمر للاستحباب حيث لم يكن الدم واجبًا بإطعام الفقراء. وأباح مالك الأكل من الهدى الواجب، إلا جزاء الصيد والأذى والنذر، وأباحه أحمد، إلا من جزاء الصيد والنذر. وأباح الحسن الأكل من الجميع تمسكًا بعموم الآية. وذهب قوم إلى أن الأكل من الأضحية واجب، لظاهر الأمر. وقومٌ إلى أن التصدق منها ندب، وحملوا الأمر عليه. ولا تحديد فيما يؤكل أو يتصدق به، لإطلاق الآية. انتهى.
{وَأَطْعِمُوا البائس} أي: الذي أصابه بؤس: أي: شدة: {الْفَقِيرَ} أي: الذي أضعفه الإعسار، والأمر هنا للوجوب. وقد قيل به في الأول أيضًا.
{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}.
{ثُمَّ} أي: بعد الذبح: {لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} أي: ليؤدوا إزالة وسخهم من الإحرام، بالحلق والتقصير وقصّ الأظفار ولبس الثياب: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} أي: ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} أي: طواف الإفاضة. وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج. ويقع به تمام التحلل. والعتيق: القديم. لأنه أول بيت وضع للناس. أو المعتق من تسلط الجبابرة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإبراهيم مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا}.